إيجاز / للشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين - إذا كان أصول الفقه يهدف إلى بيان كيفَّية استنباط الأحكام الكليَّة من مصادرها الشرعَّية - الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وغيرها -، وكان الفقه هو محصلة هذا الاستنباط، وهو حكم على أفعال العباد بوجوب، أو حرمة، أو كراهة، أو استحباب، أو إباحة، أو صحة، أو بطلان، أو ثبوت ملك، أو رفعه، أو ضمان، أو نفيه - فإنَّ فن تنزيل الأحكام على الوقائع - موضوع بحثنا - يضبط طريقة تطبيق الحكم على الواقعة.
ولتنزيل الأحكام على الوقائع قواعد وأصول ضابطة تعين القاضي والمفتي على التطبيق الصحيح للأحكام الشرعَّية على الوقائع؛ قضائيَّة أو فتويَّة وتقيه بتوفيق الله - عزّ وجلّ - من التخبط والزلل، كما يحتاج القاضي فيه إلى معرفة الحكم الكلي الملاقي للواقعة، وتفسيره، والواقعة القضائيَّة المؤثرة، وإثباتها، وتفسيرها، وطريقة تنزيل الحكم الكلي عليها، وهذا ما عُنِي به هذا البحث في الجانب القضائي، ويتبعه الجانب الفتوى.
ولا بستغني القاضي والمفتي عن الوقوف على أصول هذا الموضوع - تنزيل الأحكام على الوقائع - وأحكامه، وهو بمثابة أصول الفقه للمستنبط المقرّر للأحكام الكليَّة، فهو يضبط اجتهاد القاضي والمفتي في تنزيل الأحكام الكليَّة على الوقائع؛ قضائيَّة أو فتويَّة، كما يضبط أصول الفقه اجتهاد الفقيه المستنبط من الأدلة كتاباً وسنة وغيرهما.
كما أن الوقوف على أصول هذا الموضوع وأحكامه مما يعين على صقل ملكة التطبيق لدى القاضي والمفتي لتُهيِّئ صاحبها لتنزيل الأحكام الكليَّة على الوقائع، فتكون ملكة قارَّة قادرة على الاهتداء لأحكامه، وإدراك الأحكام العارضة له، فيهتدي لمعاقده، ويتنبه لفروقه لإتقانه أصوله ومآخذه، وكثرة نظره فيه، وتردده في ممارسته حتى تكون مباشرته عنده سهلة ميسرة، وذلك من أنفس ما يُحصِّله المتدرب في كل فن، وهو من أنفس صفات متلقي الأحكام الشرعيَّة لتنزيلها على الوقائع في الفتيا والقضاء؛ لأن ثمرة كل علم تطبيقُه.
المصدر / موقع الالوكة


